الحب من أبرز القيم التي فقدت معانيها في حياة الإنسان بصفة عامة، وتشوهت مفاهيمها في العقل والوجدان، وارتبطت بكل ما يؤدي إلى الإسفاف والابتذال والزيف، وكان من نتيجة ذلك أن فقدت الحياة مغزى وجودها كله. ونظرة عابرة إلى الإنسان في المجتمعات الإسلامية تكشف الفصل المهول بين إعلانه الحب لله من خلال تنفيذ شعائره الدينية التي يقوم بها كل يوم، عبر الصلاة مثلا، وبين تفعيل مقاصد تلك الشعائر في حياته وسلوكه وعلاقاته، ليطفو إلى السطح الجفاف والغلظة والتباغض والتحاسد، وتغرق تلك المجتمعات في التنافر بدل التآلف، والقسوة بدل الرحمة، والبخل بدل البذل والإنفاق المعنوي قبل المادي. وبالتالي لا يستطيع المسلم التبشير من خلال نفسه بالقيم الحقيقية والفاعلة سواء في مجتمعه أو في أي مجتمع آخر، كما يفقد مصداقيته وعوامل تأثيره.
وإذا عدنا إلى القيمة الأولى التي قام عليها المجتمع الإسلامي الأول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نجد أنه قام المحبة الخالصة المؤلفة بين القلوب، والمسعفة على التآخي والعطاء. ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربى أصحابه على قيمة الحب، وحثهم على إشاعتها وتحقيقها عبر وسائل وممارسات مختلفة، لأهميتها في تحقيق السعادة للفرد والأسرة والمجتمع والأمة والإنسانية، وفي توحيد القلوب وتآلفها، أو تعارفها وتعايشها وتفاهمها، ولدورها في إعطاء الأمة قوتها وصلابتها؛ فلا تهون ولا تتفتت ولا تعبث بها الفتن والدسائس، وتقوم كل العلاقات والممارسات على أساس من الحب المتين الذي يفيض من القلوب ليصل إلى العقول عبر القلوب. فأين نحن من هذا الحب في مجتمعاتنا؟؟..
نعم.. نتساءل بمرارة ونحن نرى مظاهر افتقاد الحب في علاقاتنا الإنسانية من أبسطها إلى أعمقها ؟؟، لِمَ لَمْ نعد نستشعره ونتذوقه ونغترف منه لتليين قلوبنا وترطيب العلاقات بيننا، كي تتخللها قيم التسامح والتجاوز والتناصح المؤدية إلى التآلف والتعايش. ألم يان للذين آمنوا أن يعلموا أن إيمانهم يفقد عناصر حيوية مسعفة على الإحياء والتوازن حين يهمشون دلالات الحب من حياتهم وينصبون أنفسهم حراسا على الدين أحيانا وعلماء دون غيرهم أحايين أخرى؟؟.
إن الحب في حضارتنا الإسلامية يسعى إلى غايات تحتضن الحياة الفردية والاجتماعية جميعاً، سواء من حيث هو تجربة وجدانية إنسانية، أو من حيث هو مفهوم كوني ورحم الله الأستاذ سعيد النورسي حين قال: “”المحبة سبب وجود هذه الكائنات، والرابطة لأجزائها، وإنها نور الأكوان وحياتها” (الكلمات.410).
ودون أن ندخل في تجليات الحب المفترضة في حياتنا اليومية وعلاقاتنا مع بعض، لأن ذلك يحتاج إلى وقفات وتفاصيل يكفي أن نتساءل تساؤلات بسيطة: هل يتذكر الزوج أحيانا زوجته بثناء على مجهوداتها في إدارة البيت، أو يقدم لها هدية رمزية وكلمة دافئة تشعرها بحبه وتقديره؟؟ وهل تتذكر الزوجة في ظل ضغوط الحياة أن تمنح زوجها ابتسامة عذبة ولمسة حانية تخفف عنهما تلك الضغوط مهما كانت؟؟ وهل تفهم أن للزوج حقوقا يجب أن تؤديها قبل أن تطالبه بحقوقها لكي يتجدد تدفق نهر الحب بينهما ويعيشا حياة يملؤها الدفء والحنان؟ هل يحاولان نسيان تصيد الأخطاء لبعضهما البعض، وتذوق الإنجازات الإيجابية في حياتهما مهما كانت بسيطة ليعيشا الحب الفعلي؟؟
هل يبني المسلم حياته مع غيره على أساس التعاون والتسامح والنصح والصفح، دون ترهيب أو تعال، ويجعل ذلك من ضرورات بناء علاقاته الاجتماعية وتحقيق التوازن في صلاته الإنسانية؟؟ هل يستشعر المؤمن روح الإيمان الحي من المشاعر الرقيقة التي يكنها المسلم لإخوانه حتى إنه ليحيا معهم وبهم، دون تصيد الأخطاء وتضخيمها؟؟. إن هذه الأسئلة وغيرها قد تكون ميزانا نقيس به حرارة قلبنا في هذا الشهر المبارك، وحافزا على سلوك سبيلالتحولات الإيمانية الكبرى، التي لا يقوى عليها إلاّ أصحاب الأرواح العظيمة المؤرقة، التي يقلقها ثقل المسؤولية التي شرفها الله تعالى بتقليدها. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة تعلمنا كيف نعيش الحياة بحب، فهل نفعل؟؟..