شهدت قاعة الندوات برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية يومه 10/12/2015 الموافق لـ 28 صفر 1437 هــ محاضرة ألقاها الأستاذ والناقد المبدع الدكتور محمد إقبال عروي ..
المحاضرة من تنظيم فرقة البحث في الإبداع النسائي ، وقد اختارت منظمة المحاضرة د.سعاد الناصر عنوان : الأدب والإرهاب : تحديات حضارية ، لما تفرضه هذه الظاهرة من تحديات حضارية على المجتمع الإسلامي خاصة فئة الشباب مما يستدعي تنوع المقاربات وتعدد المدخلات لدراسة الظاهرة والوقوف على جذورها وأسبابها وما تفرزه من مظاهر العنف والإرهاب والتصارع والتناحر وإيجاد الحلول الناجعة والممكنة لها خاصة أنها ظاهرة عابرة تستهدف كل شيء ؛ الإنسان ، القيم ، التعايش ، السلم العالمي ، البيئة ،..
وبناء عليه قد يكون مدخل الأدب أحد المداخل الحاسمة في هذا الباب نظرا لإسهاماته التي تستهدف الإنسان في أبعاده المتعددة النفسية ـ الوجدانية والروحية والعقلية في توازن عجيب بين متطلبات الروح من جهة وحاجات الجسد والعقل من جهة ثانية ، فلطالما كان الأدباء والفلاسفة النبراس الذي تستضيء به البشرية وتستنقذ نفسها من أوحال الطين وتترفع عن أثقال المادة وأمراض النفس وأعراض العادة ومنغصات الشهوة وتعانق فضاء الروح وعالم اليقين والمثل العليا ..
وإليكم ملخص ما جاء في المحاضرة وما جاد به المحاضر من درر طيبة تزكو بها الأنفس وتطيب بأريجها الأرواح :
- أن العالم أصبح متفقا اليوم أن قضية الإرهاب هي قضية الشباب ، لذلك لا بد من التواصل الجيد مع هذه الفئة والحوار واتباع أسلوب الإنصات والإقناع لغرس الأفكار الإيجابية .
- أن الإرهاب أصبح واقعا يحتم تظافر جهود كل المؤسسات الإنسانية العالمية .
- أن الإرهاب تجاوز المفهوم التقليدي باعتباره صناعة إلى كونه استراتيجية كونية تستغلها جماعات الإرهاب العالمي التي تنفلت من قيود القوانين وموانع الشرائع لتصريف مشروعها الرامي الى التحكم في الأمم والشعوب الضعيفة وتفكيكها خاصة المسلمة منها وتشويه القيم الإنسانية السمحة المتمثلة في التعايش والسلم العالمي والتفاعل والتثاقف بين الأمم والشعوب .
عرج المحاضر على ذكر بعض الأسباب التي أنشأت الظاهرة وهي لا تعدو أن تكون :
- أسباب اقتصادية
- أسباب اجتماعية
- أسباب سياسية
- أسباب قيمية ناتجة عن العولمة وما تفرضه من قيم كونية وثورة معرفية وتكنولوجية تقزم الانسان وتجهز على ما تبقى من كينونته وفطرته الأصيلة .
- القراءات الخاطئة والمشوهة للنصوص الدينية وقصور الفهم في تأويلها واعتبار مقاصدها الحقة وإغفال عامل الزمان والمكان وسنة التدرج في تنزيل أحكامها .
- أسباب تربوية تعليمية التي لا تواكب المستجدات التربوية وما توصل إليه علم النفس التربوي في مباحث الذكاءات المتعددة إذ تبين لديها أن المنهاج التربوي التعليمي لا يستثمر ويستهدف من دماغ الإنسان سوى شقه الأيسر فقط وما يستتبع ذلك من إعلاء للقدرات العقلية المنطقية وتنمية لمهارات : تعقل وتذكر وتفكر وتحليل وتركيب واستنتاج وحفظ واستظهار …وغيرها ، في حين أهملت الفص الأيمن من الدماغ الذي يشمل الذكاء العاطفي والاجتماعي ومهارات التخييل والأبداع والتفنن وقيم الحب والجمال والأخلاق وتقبل الآخر …
وعليه ، فإن الدكتور محمد إقبال عروي يشدد على ضرورة الموازنة في تمرير المناهج التربوية التعلمية بين متطلبات الدماغ في كليته / الشق الأيمن والأيسر من جهة وأبعاد شخصية الإنسان : الروحية النفسية والعقلية والحسحركية ..
ولمعالجة أسباب وجذور هذه الظاهرة اقترح المحاضر مدخلين اثنين :
الأول : دراسة الظاهرة / ظاهرة الإرهاب في أبعادها المتعددة وعدم الاقتصار على المقاربة الأمنية فقط .
الثاني : مدخل الأدب باعتباره قناة لتصريف القيم الإنسانية السمحة والأفكار النيرة والموضوعات الإيجابية .
وقد عزز الأستاذ محمد إقبال رؤيته هاته من خلال نماذج أدببة رائعة وذات بعد إنساني راقي يدحض فكرة الإرهاب من أساسها ويؤسس لمشترك إنساني يقوم على تقبل الآخر والتحلي بروح النقد والإبداع وتمثل الحس الجمالي الذي يقوم على التخييل وحب الجمال والفن بضروبه المتعددة وعدم الاقتصار على التفكير العقلاني الجاف للحياة الذي من نتائجه : العنف والكراهية للإنسان والضمار للطبيعة والبيئة في..
ولتعزيز طرحه قدم المحاضر لنا روايات ثلاث تعالج مفهوم الإرهاب وجذوره ونتاءجه ومآلاته ..
فالرواية الأولى : ” سوق الإرهاب ” للكاتب الأردني د. عبد الله القواسمة الصادرة سنة 2010 . هذه الرواية يحلل من خلالها الكاتب ويشرح ظاهرة الإرهاب ويغوص في أسبابها اجتماعيا واقتصاديا وفكريا .
إن التسلسل المنطقي الذي اتبّعه الكاتب في التّأصيل لهذه الظاهرة يدلّ على رؤية شاملة ومتابعة جدّية للأحداث السّياسية المؤثرة في منطقة الشرق الأوسط ، وإن كان عنصر المكان لم يحدد باللفظ ، لكنّ القارىء يستطيع دون عناء أن يلمس قرب هذا المكان منه أو قربه من هذا المكان ، فالبيئة العربية بكلّ تضاريسها واضحة من خلال الأسماء والعنواين والأفكار.
هذه الملامح العامة لا تُغني عن التعمّق قليلاً في النّوازع الداخلية لبعض هذه الشخصيات، ومحاولة إدراك مغزى التحوّلات الاجتماعية التي طرأت عليها ..
سلامة أيوب: الطالب الجامعي المكافح والذي يصبح مسؤلاً عن إعالة عائلته بعد وفاة والده مما يضطره للعمل وخوض غمار عدة تجارب مرهقة ،حتى يستقر كعامل بمكتبة في حي الجامعة ، ومن خلال هذا التنقل يبرع الروائي في إظهار قسوة الحياة وتسلّط أرباب العمل وقهرهم للعمال وسلب حقوقهم ، مما يشكل بيئة خصبة لوقوع سلامة فريسة للقهر والظلم والتطرف ،وهنا يدخل سلامة في صراع نفسي عنيف وتساؤلات لا تكاد تنتهي حول جدوى عمليات التفجير وقتل الأبرياء: هل تزيل هذه الأعمال ظلما أو تعيد حقاً سُلبَ من أهله ؟ وضمن هذا التردد يُحجم عن فكرة الارهاب، وهنا يتدخل الكاتب كي يخفي سلامة وكأنّه ينقذه من هذا الوضع المأساوي حيث يظهر في نهاية الرواية شبحاً متشرّداً لا ملامح له.
مأمون عبدالحكيم : شخصية ناقمة على معظم مظاهر الفرح والتمدّن في الحياة ، يعيش وحيداً بعد أن طرده والده القاضي من المنزل مما يضطره للسّكن مع نقيضه الفكري الفنّان سمير، ويلتقي مع أصدقائه الذين حارب معهم في أفغانستان يجمعهم هدف (محاربة الكفر والاستعمار) ، ويشّكلون خلية تخطط للقيام بتفجير دور السينما وأماكن (اللهو والفجور ) ، وهنا تكمن مفارقة أخرى حيث يبرع الروائي في ترتيب نهاية مأساوية لهذه الشخصية مليئة بالعظة والعبرة ، فهو يقضي في تفجير بيت العزاء الخاص بوالدته حيث يفجر انتحاري نفسه وسط المعزين مستهدفا والده ( القاضي) فيموت مأمون ووالده .
سمير فاضل : شاب قروي تجذبه المدينة، فينهي دراسته ويستقر فيها بعيداً عن قريته وأسرته،عضو في الهيئة الادارية لرابطة المسرح يعشق الفن والشعر والاخراج المسرحي ، متحرر بطبعه رغم صداقته للمتدينين سمير فاضل شخصية رقيقة تربطه علاقة خاصة بصديقته آية ذات الأفكار الغريبة، والتي ترفض الارتباط به لعدم إيمانها بمؤسسة الزواج، يسعى لعرض نص مسرحي بعنوان ( الخرافة والمنديل ) فيواجه من الجهات والمؤسسات المعنية بالرفض ولكنه رغم ذلك لا يفقد الأمل . وهنا يمارس سمير دوره الفنّي في تمجيد وإعلاء الصّورة الحقيقيّة للنضّال ، وإزاحة منطق تفجير المدنيين والأماكن الآمنة، وتنتهي الرّواية وقد عزم سمير على مواصلة جهوده من أجل العرض المسرحي مُتّسلّحا بالأمل، وبصوت صديقته آية والتي أكّدت له أنّها ستكون إلى جانبه في هذه المعركة الجديدة .
ويختم الأستاذ محمد إقبال عروي مقاربته لرواية ” سوق الإرهاب ” بقوله :
لقد أضافت هذه الرواية والتي تستحق مزيداً من البحث والاشادة علامة فارقة في مجال الرواية الأردنية الحديثة، حيث لامست الواقع بدرجة كبيرة- ولكنْ بشكل غير سطحي – وابتعدت عن اختلاق أحداث لا علاقة لها بالواقع المعاش وابتعدت أيضا عن الهروب لماض لا يمكن أن يعود، وهي بلا شك رؤية واقعيّة لحاضر مأزوم نعيش أزمته المرهقة كل يوم وكل لحظة .
بالإضافة إلى رواية ” سوق الإرهاب ” أتحفنا المحاضر بقراءات منتقاة من مجموعة من الروايات تصب في نفس الاتجاه وتخدم نفس الهدف ألا وهو معالجة ظاهرة الأدب من زاوية الأدب لما لهذا الحقل من تأثير على النفس وقدرة على تغيير الأفكار والقناعات وصولا إلى الغاية الأسمى التي مقتضاها أن النفس عند الله واحدة ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة ولكنها سنة الاختلاف التي تفرض على ذاتنا الحضارية الانفتاح على الاخر والتعايش معه ودعوته بالموعظة الحسنة ودون إكراه .
ومن العناوين التي ساقها المحاضر كانت رواية :
” الإرهابي 20 ” لعبد الله ثابت الصادرة 2010 .
” الإرهابي ” للأديب الأردني الشاب محمد جربوعة حيث يقدم مفهوما مغايرا للإرهاب ؛ إرهاب الدبابات ومن جاؤوا على ظهورها في تناغم كامل مع المستعمر ، ولعل العنوان الأبرز لهذا الإرهاب متمثلا في الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية ….
وقد تخلل هذا اللقاء الأدبي الممتع مجموعة من المداخلات من طرف الأساتذة الدكاترة الطلبة والباحثين في سلك الماستر والدكتوراة حيث اعتمد الدكتور محمد إقبال عروي على الطريقة الحوارية التفاعلية ورد على مجمل التساؤلات والاستفسارت بأسلوب يتسم بالهدوء والاتزان كما عهدناه فيه انطلاقا من مجموعة من اللقاءات الأدبية جمعتنا به خاصة في دار الصنائع بتطوان العامرة ..
وإليكم مجمل التدخلات والأفكار التي أثارها النقاش :
الدكتورة جميلة رزقي تمحورت مداخلتها حول ازدواجية الخطاب الغربي في تعاطيه مع مفهوم الإرهاب ، إذ كيف يعقل ، والكلام للمتدخلة ، أن يكون الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب الحركات الجهادية بأفغانستان ويدعمها بالمال والسلاح واليوم يتبرأ منها ويصفها بالأرهاب ويصادر ويمنع عنها كل شيء .. لتخلص في النهاية أن ما نعيشه اليوم إنما هو صناعة غربية بامتياز تريد الإجهاز على ما تبقى من بواعث المنعة والأنفة والاعتزاز بالهوية لدى الفرد المسلم وما الإرهاب إلى الدثار التي تتستر خلفه كل المخططات والاستراتيجيات التي تريد نهب خيرات الشعوب دون وجه حق وما الإرهاب إلا أحد بالونات الاختبارات لتلك المخططات ..
أما الأستاذة الدكتورة سعاد الناصر أم سلمى فقد ركزت على ثلاث نقط أساسية :
أولا : ضرورة إعادة تحديد المفاهيم التي وقع فيها اللبس والغموض كمفهوم الحرية والمقاومة والإرهاب وغيرها، انطلاقا من تسييد القيم الإنسانية وجعلها معايير نستند إليها . ثانيا : ليس القتل هو المظهر الوحيد للإرهاب إنما هناك أنواع شتى له، كمصادرة الآراء المخالفة، والحجر على العقول، ومحاربة الإبداع وغيرها..
ثالثا : أنه رغم صدور عدد من النصوص الإبداعية التي عبرت عن ظاهرة الإرهاب، إلا أن الأدب ما زال محتشما في معالجته لها والتصدي لمقاومتها، خاصة في المغرب.
أما باقي الطلبة المتدخلين فكانت جل آرائهم تصب في اتجاه ضرورة تربية وتعليم الشباب التربية الجيدة التي تستعين بأصولها النيرة دون تشدد أو تنطع وفهم القرآن والحديث النبوي الفهم الصحيح المستنير وحسن تنزيل أحكامها في الزمان والمكان المناسب دون اجتزاء أو لي أو تحوير لأغراض سياسوية أو أيديولوجية مقيته ..
وشدد الطلبة على ضرورة إيلاء المناهج التربوية التعليمية ما تسحقه من تجديد وتطوير ومراعاة لمتطلبات الحياة المعاصر والتنويع في المقاربات والمحتوى والمهارات التي تستهدف الشاب لأن المنهاج التربوي هو الهوية التي تشكل إنسان الغد .
وقد ختم المحاضر كلمته بشكر المنظمين لهذا اللقاء في شخصه الاعتباري فرقة البحث في الإبداع النسائي و ملتقى الدراسات الأندلسية والحاضرين الذين أثروا اللقاء من دكاترة وطلبة وباحثين وبضرورة التهييء لمحاضرات تصب في نفس الاتجاه على اعتبار أن ظاهرة الإرهاب تفرض علينا التصدي لها بكل ما أوتينا من قوة الكلمة والفكر ولا شك أن رحاب الجامعة هي المجال الخصب لتلاقح الأفكار النيرة وتفاعلها في جو من المسؤولية وقبول الآخر ..