إضاءة أولية:
إن الكتابة النسائية في الرواية أخذت فضاء متميزا بين باقي الأجناس الأدبية الأخرى. وهو تميز لا يقترن بالعدد ـ فإنها قليلة بالمقارنة مع الكتابة في الشعر أو القصة القصيرة مثلا ـ وإنما تكتسبه من طبيعة الرواية نفسها، التي تحاول تصوير الذات والواقع. فهي تشترك مع الأجناس الأخرى، وتستوعب مختلف خطاباتها ولغاتها وأساليبها وأبنيتها بمقدار ما تستميز عنها بخصائصها الحميمة وأشكالها الصميمة[1]. كما تكتسب قيمتها في إطار التصور النظري العام من خلال التشكيل اللغوي، وآليات اشتغاله داخل النص الروائي، لأن اللغة في الرواية هي أهم ما ينهض عليه بناؤها الفني، فالشخصية تستعمل اللغة أو توصف بها أو تصف هي بها، مثلها مثل المكان أو الحيز والزمان والحدث. فما كان ليكون وجود لهذه العناصر، أو المشَكِّلات، في العمل الروائي لولا اللغة. ولمّا كانت الرواية جنسا أدبيا فقد كان منتظرا منها أن تصطنع اللغة الأدبية التي تجعلها تعتزي إلى الأجناس الأدبية بامتياز[2].
ومهما قيل عن أن اللغة واحدة، سواء عبر بها الرجل أو المرأة، وأن مكونات الخطاب الروائي أو آليات تحليله لا جنس لهما، ويخضعان لضوابط وقوانين معينة، إلا أن اللغة مطواعة، يمكن للمبدع أن يخضعها لخصوصيته، الأمر الذي جعل المرأة الكاتبة تبدع في مجال الرواية بلغة تحمل في طياتها نفحات أنثوية، تبرز هوية كاتبتها ومنهج تفكيرها وأسلوبها، ورؤيتها لمختلف القضايا والإشكالات، الذاتية والموضوعية، التي تستعرضها، كما تبين أن اللغة ليست مجرد أداة تواصلية تلقائية أو حيادية، وإنما هي فضاء ثر يعكس عوالم النفس ومدركاتها في تعالق مع العالم الخارجي، ويتجلى في تشكيلات مختلفة ومتنوعة، تكشف عن مدى انسجام ألفاظها وتراكيبها وتنوع أساليبها، ومدى تناغمها مع نسيج الخطاب الروائي العام.
[1] ـ انظر: في نظرية الرواية،بحث في تقنيات السرد، عبد المالك مرتاض، سلسلة عالم المعرفة، 240، ص11 وما بعدها.
[2] ـ المرجع السابق، ص 108.