د. عبد الرحمن بودرع
خَدعوكِ بإحياءِ يومٍ لَك مرَّةً في كلّ عامٍ، ولولا الحَرجُ لاحتَفَوْا بكِ مَرّةً في العُمُرِ، وما احتفاؤُهم بكِ سوى كلماتٍ تُنثَرُ عليْك من هُنا وهناك، وبضْعِ أزهارٍ تُلْقى بينَ يديْكِ، مصيرُها إلى ذُبولٍ، صَبّوا عليكِ قَواريرَ عطرٍ ذَواتِ عَلاماتٍ تجاريّة عَلِموا أنّها مُحبّبةٌ إليْك، ورموْكِ بكلماتِ مدحٍ وثناءٍ وادّعاءِ حُسنٍ وجَمالٍ ورقّةِ طبعٍ وزيادةٍ في الإبداعِ والإحسانِ… وأنتِ تعلَمين أو تَجْهَلينَ أنّها أسماءٌ سمّوْكِ بها وصفاتٌ خادعةٌألبسوكِ إيّاها، زيّنوا لَك صورتكِ في مَراياهُم وتودّدوا إليكِ وبالَغوا وقَتلوا أنفسَهُم في ذلكَ حتّى أطربوكِ فرقصْتِ فَرحاً، سلَخوكِ من لباسِ الحياءِ وضَيّقوا على جسمِكِ بأسمالٍ كاشفاتٍ شبه ساتراتٍ، فازدادَ كلُّ ذئبٍ فيكِ طَمَعاً، فتوهَّمْتِ في نفسِكِ ما أوهَموكِ فيها، فصرتِ أمَةً لكلٍ خبيثٍ ماكرٍ ذي مالٍ، يا لفطْرتِكِ وبَراءَتك، خطَفوكِ وزجّوا بك في واجهاتِ عرضِ المَحلاّت والمَجلاّتِ فاتّخذوكِ مِعْرَضاً عَرَضوا بكِ تجارتَهُم وقدّموكِ في مهامّهم لينالوا الحُظوةَ والرّبحَ، ولم تَعْلَمي أنّهم استعْبَدوكِ استعباداً مُرّاً ومَلَكوكِ بمجرّدِ إشاراتٍ من أصابعهِم القذِرَة، واستنزفوا آخرَ قطرةٍ من دَمِكِ ثمّ رَحلوا عنك وتركوكِ إلى أخرى… زَعَموا لك أنّك تحررتِ من ربقةِ القَواعدِ والقُيودِ، وهُم قَيّدوكِ بقُيودٍ من ذهبٍ وتركوكِ كالطّفلِ يَلهو ببريقِ الذّهبِ
أجَلْ جعَلوا لكِ يوماً في العامِ مثلَما جَعَلوا للطّفلِ والغابَةِ والحَيَوانِ والبيئة، فما أنت إلاّ مُناسبةٌ زمنيّةٌ وصَفقةٌ تجاريّةٌ، تُدرُّ عليْهم أرباحاً للسّنةِ الجاريةِ، فلا ينْفَدُ زادُهُم حتّى يَحينَ اليومُ اللاحقُ بعدَ سنةٍ ليفعَلوا بك ما فَعَلوه في السنة الماضية… يا لجُرمهِم وظُلمهِم ويا لبراءَتِكِ